تظهر الخلافات بين الدول العربية بوضوح كأحد العوامل الرئيسية التي تعيق جهود التكامل والوحدة الإقليمية. وقد ساهمت الصراعات، مثل نزاع الصحراء الشرقية بين المغرب والجزائر، والخلاف بين قطر والسعودية، وأزمة العراق والكويت، في تصعيد التوترات وإضعاف التحالفات الإقليمية، مثل اتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي.
سنستعرض هذه النزاعات التاريخية ونوضح كيف أثّرت سلباً على هذه التكتلات.
1. نزاع الصحراء الشرقية بين المغرب والجزائر وحرب الرمال (1963)
يرجع النزاع بين المغرب والجزائر حول الصحراء الشرقية إلى ترسيم الحدود خلال الفترة الاستعمارية. فبعد استقلال الجزائر في 1962، طالبت المغرب بعودة بعض المناطق التي كانت تحت سيطرة فرنسا ضمن الحدود الجزائرية. أدى هذا الخلاف إلى اندلاع حرب الرمال في 1963، حيث اشتبك البلدان عسكرياً في صراعٍ قصير ولكنه ترك ندوباً دائمة على العلاقات المغربية الجزائرية.
لاحقاً، انضمت الجزائر إلى المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، بينما حافظ المغرب على تحالفاته مع الغرب، ما زاد من الانقسام الإقليمي.
رغم حل هذه الأزمة بواسطة الاتحاد الافريقي، الا ان العداوة ظلت مستمرة بين المغرب والجزائر عرقلت أي محاولة حقيقية لتعزيز اتحاد المغرب العربي الذي تأسس رسمياً في 1989، فبدلاً من التركيز على القضايا التنموية المشتركة، بقيت العلاقات مشحونة، وأصبح الاتحاد مجمداً منذ سنوات، كما انضمت الجزائر إلى الخلاف حول الصحراء الغربية وتبني جبهة البوليساريو نكاية في المغرب و انشغاله في اي نزاع لتفادي مطالبته بحقه في الصحراء الشرقية التي تقع تحت النفوذ الجزائري.
2. الخلاف بين قطر والسعودية (1992–2017)
أدت الخلافات الحدودية بين الدولتين الخليجيتين إلى إطلاق النار سنة 1992 في منطقة الخفوس خلف قتيلين من الجانب القطري وقتيلا سعوديا واحدا.
وظل التوتر قائما بين البلدين حتى توقيع اتفاق ترسيم الحدود بينهما سنة 2001.
رغم ذلك و خلال فترة التسعينات، ظهرت بوادر الخلاف بين قطر والسعودية نتيجة سياسات قطرية مستقلة في الإعلام والسياسة الخارجية، إذ اعتمدت قطر توجهاً مغايراً عن دول الخليج الأخرى، خاصة بعد تأسيس قناة الجزيرة في 1996. وبلغت الأزمة ذروتها في 2017، حين فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر، متهمةً إياها بدعم جماعات معارضة. وأدى ذلك إلى تصدع في العلاقات الخليجية الداخلية، ما أضعف دور مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة تجمع الدول الست، إذ باتت تسوده الانقسامات السياسية والأمنية.
رغم أن الأزمة حُلّت رسمياً عام 2021، إلا أن الانقسام ألقى بظلاله على وحدة مجلس التعاون وأضعف موقفه أمام التحديات الإقليمية، حيث تخلت بعض الدول عن الأهداف المشتركة لمجلس التعاون واتبعت سياسات فردية لتحقيق مصالحها.
3. أزمة العراق والكويت وغزو 2003
يعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 من أكثر النزاعات التي أثّرت سلباً على العلاقات العربية، حيث أدت سياسات الرئيس العراقي صدام حسين إلى احتلال الكويت، ما دفع العديد من الدول العربية إلى الاستعانة بالولايات المتحدة لتحرير الكويت. وبلغ الانقسام ذروته مع غزو العراق بقيادة واشنطن في 2003، حيث دعمت بعض الدول العربية الجهود الأمريكية للتخلص من نظام صدام حسين، فيما اعتبرت دول أخرى هذه الخطوة تدخلاً غير مقبول.
ساهم هذا الانقسام في إضعاف موقف الجامعة العربية وتآكل الثقة بين الدول الأعضاء، إذ لم تستطع المنظمة القيام بدور فعال لحل الأزمة، وأصبح هناك شعور عام بأن التدخلات الأجنبية أصبحت الوسيلة الأساسية لحل النزاعات العربية.
تأثير النزاعات على التكتلات الإقليمية
اتحاد المغرب العربي
تأسس اتحاد المغرب العربي بهدف تعزيز التعاون بين الدول المغاربية، لكنه اصطدم سريعاً بالخلافات الثنائية، وخاصة بين المغرب والجزائر. وقد أدى انعدام الثقة والانقسامات بشأن القضايا الحدودية وقضية الصحراء الغربية إلى شلل الاتحاد، إذ بات غير قادر على تحقيق أي إنجازات حقيقية في التنمية والتكامل الإقليمي، وظل مجرد هيكل سياسي غير فعال.
مجلس التعاون لدول الخليج
تأسس مجلس التعاون الخليجي لتوحيد جهود دول الخليج العربي في مواجهة التحديات المشتركة، إلا أن الانقسامات العميقة بين الدول الأعضاء، وخاصة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، أدت إلى إضعاف المجلس، وتراجع تأثيره في الشؤون الإقليمية والدولية. عجز المجلس عن حل الأزمة القطرية-السعودية بفعالية، وفشله في صياغة سياسات موحدة تعكس مصالح دوله، أبرز التحديات التي تواجه التعاون الخليجي.
دروس من التاريخ: ممالك الطوائف والحروب الصليبية
يمكن تشبيه الوضع الحالي بأحداث تاريخية، مثل حقبة الحروب الصليبية أو ممالك الطوائف في الأندلس، حيث لجأت بعض الممالك العربية حينها إلى الاستعانة بالقوى الأجنبية لمواجهة أعدائها من العرب أنفسهم، ما أدى في نهاية المطاف إلى ضعفها أمام خصومها. تكرار هذا السيناريو في الواقع العربي الحالي يظهر بوضوح، حيث تستعين بعض الدول بقوى خارجية لمواجهة تهديدات من جيرانها، وهو ما يستنزف مواردها ويضعفها على المدى الطويل، في حين يقوي نفوذ القوى الأجنبية ويزيد من تدخلاتها في الشؤون العربية.
تبرز النزاعات العربية كعائق رئيسي أمام تحقيق الوحدة والتكامل الإقليمي. فبدلاً من العمل معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المشتركة، تتجه الدول العربية نحو تعزيز التحالفات الأجنبية وتفاقم الخلافات الداخلية، ما يعوق فرص تحقيق نهضة عربية شاملة. تحتاج الدول العربية إلى مراجعة سياستها الإقليمية وتبني نهج يعتمد على الحوار والدبلوماسية كوسيلة لبناء مستقبل مستدام وآمن.