رغم أن كرة القدم تعد الرياضة الأكثر شعبية في مصر، إلا أن منتخبها الوطني لم يتمكن من تحقيق إنجازات عالمية توازي هذه الشعبية. فقد تأهل إلى كأس العالم ثلاث مرات فقط طوال تاريخه، ولم يتمكن من تجاوز دور المجموعات في أي من مشاركاته. في المقابل، نجح منتخب كرة اليد المصري في وضع اسمه بين كبار المنتخبات العالمية، ومع كل إنجاز يتحقق لهذا المنتخب، تبرز تساؤلات حول السبب وراء عدم تحقيق منتخب كرة القدم الإنجازات نفسها والوصول إلى العالمية. هذا السؤال عاد ليطفو على السطح مجددًا بعد أن حقق منتخب كرة اليد المركز الخامس في بطولة كأس العالم 2025، التي أُقيمت في الدنمارك وكرواتيا والنرويج.
لفهم الفوارق بين المنتخبين ولماذا تتحقق نتائج مميزة مع أحدهما دون الآخر، يجب علينا إجراء مقارنة بين عدد البطولات والإنجازات لكل منتخب، والبحث في مختلف العوامل. هذه المفارقة تطرح تساؤلات عديدة حول الفروق بين المنتخبين، سواء من حيث التخطيط، أو الإدارة، أو مستوى الدعم المقدم من الاتحادين المسؤولين عنهما. ففي الوقت الذي يتمتع فيه اتحاد كرة اليد باستراتيجيات واضحة لتطوير اللعبة، يبدو أن كرة القدم المصرية ما زالت تعاني من العشوائية في الإدارة، وعدم الاستقرار الفني، وضعف الاستثمار في الفئات السنية. فهل المشكلة تكمن في طبيعة اللعبة نفسها، أم أن هناك عوامل أخرى تفسر هذا التباين الكبير بين الرياضتين؟
في هذا المقال، سوف نبحث في هذه الأسئلة، التي تستدعي تحقيقًا معمقًا لفهم الوضع الحالي والعمل على إيجاد حلول.
أولا: الفوارق بين إنجازات المنتخبات
المستويات | منتخب كرة اليد | منتخب كرة القدم |
افريقيا | · كأس الأمم الإفريقية (8 ألقاب – رقم قياسي مشترك)· البطل: 1991، 1992، 2000، 2004، 2008، 2016، 2020، 2022· الوصيف 6 مرات· صاحب الرقم القياسي في عدد النهائيات (14 مرة) | · كأس الأمم الأفريقية (7 ألقاب – الرقم القياسي)· 1957، 1959، 1986، 1998، 2006، 2008، 2010· الوصيف 5 مرات· تأهل للنهائي (9 مرات) |
عالميا | · التأهل لبطولة العالم 19 مرة حتى نسخة 2025 .· أول منتخب غير أوروبي يصل إلى نصف نهائي بطولة العالم.· أفضل إنجاز: المركز الرابع في بطولة العالم 2001 (فرنسا) | · التأهل لكأس العالم (3 مرات)· النتائج: لم يتأهل خرج من الدور الأول في الثلاث مرات |
ثانيًا: العوامل المؤثرة في تحقيق الإنجازات
تحدثنا سابقًا عن وجود عوامل أثرت على وجود فوارق كبيرة بين المنتخبين، وهذه العوامل ساعدت بشكل ما على تأهل منتخب مصر لكرة اليد 19 مرة لبطولة العالم، مقابل 3 مرات فقط لمنتخب مصر لكرة القدم. من ضمن هذه العوامل:
الاحتراف الخارجي:
يعد الاحتراف الخارجي من العوامل المؤثرة في نجاح منتخب كرة اليد، حيث يحترف اللاعبون المصريون في الدوريات الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، مما يرفع مستواهم الفني والبدني. في حين يحترف عدد قليل من لاعبي كرة القدم في أوروبا، ومعظمهم في أندية ضعيفة أو يفضلون البقاء في الدوري المصري لأسباب مالية.
التخطيط والإدارة:
من الأسس التي يبنى عليها نجاح أي شيء في الحياة هو التخطيط والإدارة. في كرة القدم، نرى أن العشوائية تسيطر على التخطيط، حيث يتم التعامل مع المنتخب الأول بنظام “الترقيع”، مع تغييرات متكررة في الأجهزة الفنية وعدم وجود استراتيجية واضحة لتطوير اللاعبين. أما الاتحاد المصري لكرة اليد، فيعتمد على خطط طويلة المدى، مع استمرارية في تطوير اللاعبين منذ الناشئين وحتى المنتخب الأول. هناك التزام واضح بالمشاريع الناجحة، مثل مشروع “الجيل الذهبي” الذي قاد منتخب الشباب للفوز بكأس العالم 2019.
الاهتمام بالناشئين:
عند الحديث عن الناشئين، لا يمكننا أن نغفل عن تطويرهم. في كرة اليد، يوجد اهتمام كبير بمنتخبات الناشئين والشباب، حيث تحقق المنتخبات المصرية إنجازات عالمية بفضل الأكاديميات والمدارس المتخصصة. أما في كرة القدم، فهناك نقص في الاهتمام بقطاع الناشئين، كما أن المواهب تضيع بسبب سوء الإدارة والاعتماد على وكلاء اللاعبين بدلاً من العمل الفني المدروس.
الإعلام والجمهور:
وأخيرًا، يُعتبر الإعلام والجمهور من أهم العوامل التي تؤثر على الحياة الرياضية المصرية. تتمتع كرة اليد بعدم وجود ضغط إعلامي وجماهيري كبير، مما يعطي اللاعبين هدوءًا للعمل والتطور بعيدًا عن الضغوط الإعلامية والجماهيرية الهائلة التي تصيب كرة القدم، وتؤثر على أداء المنتخب، وتجعل المدربين يتجنبون التجارب الجديدة خوفًا من الفشل.
لتحقيق النجاح في كرة القدم المصرية، يجب الاستفادة من عوامل تفوق منتخب كرة اليد، الذي أثبت أن التخطيط السليم والاستثمار في الناشئين يؤديان إلى إنجازات حقيقية. الفارق بين المنتخبين لا يقتصر على طبيعة الرياضة، بل يشمل الإدارة والتطوير والاحتراف. لذا، فإن معالجة تحديات كرة القدم، مثل الاستقرار الفني وتنظيم الفئات السنية، ستمهد الطريق لنقلة نوعية. ويتطلب ذلك تضافر الجهود بين الاتحاد والإعلام والجماهير لخلق بيئة رياضية مستقرة تدعم نجاحات الرياضة المصرية.