تشعر بالآلام والأوجاع جراء المشاهد التي نراها ليلا نهارا في قطاع غزة -وما خفي كان أعظم- وتقف مكتوف الأيدي، يؤلمك إحساس العجز وقهر الرجال كونك لا تستطيع تقديم شيء للأمة، التي تداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ثم تنهار يائسا أمام هول ما يحدث متسائلا.
ماذا يمكنني أن أفعل؟ هل الدعاء يكفي أم المقاطعة أم المساعدات المادية؟
جميعها لم يجدِ نفعا حتى الآن.
هل أستسلم لليأس والانهزام النفسي؟ الإجابة هذا ما يريده عدوهم وعدونا في تلك المشاهد؟
إذا ماذا يمكنني كفرد أن أفعل؟
في هذا البيان أعبر عما أراه لا يعني صحته بالضرورة، لكنها كانت الطريقة الفضلى لي للتغلب على إحساس العجز ألا وهي “التحرك الفردي بوعي جماعي”
واقع سوداوي
سقطت الخلافة في عام 1924، وانتهى مع سقوطها أمل تجمع المسلمين واتحادهم من جديد، ذلك الاتحاد الذي كان سببا في قوة الأمة الإسلامية حتى دبت الفرقة بين أبنائها، ثم فرقنا المحتل بما يُعرف باتفاقية سايكس بيكو إلى دويلات صغيرة وانقسمنا إلى أعراق وقبائل وجعلنا نتشدق بألوان أعلام بلادنا التي نقف لها إجلالا وتقديرا.
تسلط علينا طغاة واستحوذوا على كامل القوة والنفوذ في مجتمعاتنا، وصارت قوتهم هي الصواب وما دونها هي الخيانة والعمالة.. وبأموالنا ومواردنا تسلطوا علينا حتى باتوا يقتلوننا بأسلحتنا التي لم تسلط إلى العدو، وقد أظهروا لنا قوته وعتاده الذي لا يقهر فلا ينبغي لهم أن يواجهوه بغير الحكمة.
أما الأمل الوحيد، فكان لفئة قليلة في كل حدب وصوب واجهت الطغاة ونادت فينا كأمة أن أفيقوا وظلت تكافح في جميع بلداننا الإسلامية والعربية حتى جاء بصيص الأمل المنتظر.. “الربيع العربي”.
لكن هذا الأمل الذي جال أوصال الوطن العربي بأكمله انتهى حيث بدأ وعاد الطغاة إلى مراكزهم وقصورهم.. ودمرت تلك الفئة تماما بين شهيد وأسير ومهاجر ومبدَّل!. نعم المبدَّل، تلك الفئة التي قصمت ظهر البعير، والتي قضت بشكل فعلي على القلة القليلة من “المقاومين”.
معركة الأمل واليأس
كل ما سبق ذكره هو مقدمة لنتيجة ألا وهي “اليأس”، لكن الحقيقة الدائمة التي يجب علينا معرفتها والإيمان بها هي أننا “أمة لا تعتمد على الأسباب في انتصاراتها”، وهو ما ورد في قرآننا الكريم وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل ما سبق ذكره يجب أن يدب الأمل في قلوبنا، كون تاريخنا العظيم كان شاهدا على ذلك.. ألا نذكر ماذا فعل المغول ببغداد؟ ألم يتحول نهر الفرات إلى اللون الأحمر بعد قتل أكثر من مليون مسلم؟.. لكن بعد سنوات معدودة كان النصر العظيم في عين جالوت.
ألا نذكر الحملات الصليبية، وما فعلت في أراضي الشام والعراق وما أعقبها من انتصار عظيم في حطين.
شاء من شاء وأبى من أبى.. هذا هو تاريخنا الذي تنبت انتصاراته العظيمة من رحم الانكسارات المزلزلة.
ماذا علينا أن نفعل؟.. التحرك الفردي بوعي جماعي
علينا أولا: أن نتمسك بالأمل، فديننا الحنيف لا يعرف أبدا اليأس، وكيف لا تتمسك بالأمل وأنت تعلم أن الله غالب على أمره.. وأن الأقدار التي نعيشها اليوم مكتوبة من قبل العليّ العظيم.
ثانيا: عليك أن تعمل وتبدأ بنفسك كي تكون فردا يليق بتلك الأمة.. نعم إن مساحات العمل ضيقة للغاية ومحدودة لكنها ممكنة، أنت كمسلم يجب أن تكون سليم العقيدة، صحيح العبادة، فلتبدأ بمعرفة دينك ورسولك -صلى الله عليه وسلم- ثم تنتقل لتليق بهما في صفاتك وسجيتك.
يجب أن تكون مُطلعا تعلم كل ما يدور حولك، ويجب أن تعرض على عقلك الأحداث، تنتقدها وتحللها بعين الدنيا ولا تُشربها قلبك المؤمن الرامي لحياة الآخرة،
لن تستطيع فعل ذلك دون بدن قوي وعقل حاد ولغة عربية واضحة لا لبس ولا لحن فيها.
في النهاية.. يجب أن نليق بهذا الدين وتلك الأمة العظيمة في جميع مجالات ومناحي حياتنا، ونعيش في نية رباط مع الله ونخلص تلك الأعمال لله حتى لو كانت قليلة.
انظر لنفسك كأمة تفكر في الصالح العام لرعيها في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. وستجد في وقت ما أن نجاحك في إحداها سينعكس على الأمة بالإيجاب.
وتذكر الآية العظيمة: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”
الخلاصة.. إذا أردت أن تقضي نحبك وتموت في سبيل الله.. فأحسن الانتظار في سبيل الله مع من ينتظر.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع